Said El Meftahi.

                        Said El Meftahi.

المفتاحي من مكناس إلى باريس

المفتاحي من مكناس إلى باريس

الملحون إرث ثقافي لذاكرتنا الحية


25.02.2006

الطاهر الطويل | المغربية


لم يكن فعلا مغامرا ذلك الذي أقدم عليه الفنان المغربي سعيد المفتاحي عندما اختار الاستقرار بفرنسا، فقد كان متأكدا أنه سيجد لطرب الملحون آذانا صاغية في الديار الأوربية، سواء بين أبناء الجالية المغربية والعربية المقيمة هناك، أو بين أبناء تلك البلدان أنفسهم .


وهكذا، استطاع المفتاحي أن يعمق تجربته ويثبت علوّ كعبه في ميدان الملحون، خلال مختلف الحفلات الفنية والمهرجانات الدولية التي شارك فيها بفرنسا وهولندا وإيطاليا، إضافة إلى وطنه الأم : المغرب
وفي كل مرة، يجد جمهورا يتفاعل معه ويطرب لنبرات صوته الصداح، وهو ينشد قصائد من قبيل : "فاطمة"، "ناكر لحسان"، "يا عالم الخفا".

والمفتاحي لا يكتفي بالتطريب فقط، بل يواصل دوما بحثه في فنون الموسيقى والغناء عموما، والملحون خصوصا، إيمانا منه بأن هذا الفن هو الإرث الثقافي لذاكرتنا الحية
ولد المفتاحي بمدينة مكناس، ذات الامتدادات الروحية والثقافية والتاريخية، وبدأت موهبته في التفتق من خلال الاحتكاك ببعض الزوايا (العيساوية، الحمدوشية)
وفي سنة 1980، التحق بالمعهد الموسيقي حيث تتلمذ على يد رائد الملحون الفنان الراحل الحسين التولالي.

يرى المفتاحي أن الملحون لا يُختزل في القصائد الحبلى بالمشاعر والدلالات فحسب، بل إنه ذاكرة لجزء مهم من تاريخ المغرب
فقد ساهم هذا الفن في تعليم أبناء الوطن كيفية الانشداد إلى كل ما هو جميل
ويؤكد المفتاحي أن الملحون يعد الشكل الفني الوحيد الذي يشكل حلقة وصل بين ماضي شعبنا وحاضره.

وبذلك، فالحفاظ عليه لا يعني وضعه في متحف وعرضه كشيء يحيل على الماضي، بل ينبغي اعتباره نقطة انطلاق لمسار ثقافي جامع بين مختلف المراحل
ويضيف قوله : إن الملحون لا يقتصر على الأشعار الجميلة المغلَّـفة بسحر التطريب، وإنما يمثل كنزا ثقافيا ثمينا بالنسبة للذاكرة الكونية والمغاربية بالخصوص
إنه كتاب مفتوح يحدثنا عن ذخائر التاريخ، وقاموس يحمي جمالية لغتنا الدارجة من الضياع .


أصداء
حظيت تجربة سعيد المفتاحي بتقدير العديد من النقاد والمبدعين، فالباحث والفنان عبد المجيد فنيش يعتبر هذا الفنان المكناسي معادلا للكاتب عبد الكريم برشيد في الميدان المسرحي، موضحا أنه إذا كان برشيد يدعم اشتغاله الإبداعي بأرضية تنظيرية، فكذلك الشأن بالنسبة للمفتاحي، إنه يعضد أداءه الغنائي ببعد نظري متين
كما يقيم علاقة تناغم بين الملحون وباقي الأنواع الموسيقية الشعبية بالمغرب
ويلاحظ فنيش أن المفتاحي ينظر إلى الملحون كجزء من كلٍّ، يشمل أساليب أخرى، في مقدمتها "تاعيساويت"


و"تاحمدوشيت" والموسيقى الأندلسية.

أما الشاعر علال الحجام فيقول إن المفتاحي "يغني الملحون باعتباره حالة وجودية، لا يشكلها بصوته إلا لكي يحقق فيها معاناة حب أو تجربة حلم أو رحلة عذاب لا تكف عن إنتاج اللحظة المفارقة التي تقودنا منتشين نحو مهاوي الحياة في صورها، والسبب يرجع إلى أن الملحون عنده ليس رغبة تمليها الذات المعزولة والمنطوية على نفسها بعيدا عن الوجود الفني، بل يتلألأ ـ على العكس من ذلك ـ حالة حلول صوفية تطارده وتغمره وتتوحد به حتى لا يستطيع منها فكاكا" .

ويتابع قوله : "من المؤكد أن سعيد المفتاحي فنان موهوب، لكنه لم يكن يوما يعتمد على موهبته فقط، بل ظل يدعمها ويخصبها بالعلم والثقافة الموسيقية تارة، وبالقدرة على النقد الذاتي وطرح السؤال الجارح تارة أخرى.

لذلك، يحاول باستمرار إدراك إوالية الإبداع وفلسفته من خلال ملازمته لمبدعين ومثقفين كثيرين، كما تراه يبحث وينقب بغية الوصول إلى أسرار هذا الفن وخيراته الكامنة في المصنفات القديمة والكنانيش، ويتصل بالفنانين والحُفّاظ بغية الحصول على المزيد، أو إضاءة بعض القضايا المعتمة، وفهم المشكل من معنى مستعص غامض، علما أن الملحون الذي كتب في مناطق مغربية مختلفة هو تلوينات لغوية وثقافية ومعرفية على الدارجة المغربية ليس من اليسير على كل المهتمين تبين دلالاتها وإيحاءاتها.

فأنت حينما تسمع منه قصيدة مرتين أو أكثر، تجد نفسك قد استمتعت بصيغ أخرى غير مطابقة للصيغة الأولى، وهو ما يؤكد طاقة موسيقية خلاقة وشعورا ملحاحا بضرورة الإضافة ليكون هو ذاته لا شخصا آخر مهما كان شأنه في فن الملحون".

وفي السياق نفسه، يقول الباحث عبد الرحمن الكرومبي : "عندما يستمع هواة فننا المغربي الأصيل ـ فن الملحون ـ إلى صوت المنشد المبدع سعيد المفتاحي، وهو يردد بتقنية عالية وبطريقته المتميزة، قصائده المستمدة من ريبرتوار هذا الأدب الرفيع، لا يسع هؤلاء وغيرهم إلا أن يصفقوا بحرارة لهذا الفنان الذي نهل من ينابيع الملحون الصافية ومياه بوفكران العذبة الرقراقة بمكناسة الزيتون، إحدى أبرز وأهم قواعد فن الملحون، ليصدح بصوته الجهوري بكل كلمة وجملة، صادرة عن شاعر متيم، أو أديب موجه، أو عالم منبه، ليبلغها منشدنا ذو الوجه الصبوح والابتسامة العذبة، إلى المستمع، كرسالة أو أمانة، لا ينقص منها حرف.

بل يضيف إليها من عندياته من حلاوة صوته، وصفاء مخارج الحروف، ما كان ينقص أهل الملحون من فصاحة، أدت إلى عدم فهم كلامه الغني بالمواعظ والتشبيهات والمواقف التي لا غنى للشاعر عنها في مختلف إبداعاته الموهوبة".



12/07/2008
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 8 autres membres